تقول سماح جبر: "بينما أستعد لتدريب أطباء غزة وأخصائييها النفسيين ضمن مبادرة لمنظمة الصحة العالمية تهدف إلى سد الفجوة بين احتياجات الصحة النفسية والموارد المحدودة، يطاردني سؤال واحد: هل يمكن لغزة أن تُشفى حقًا؟ هدفنا أن نعزز النظام الصحي المنهار عبر دمج الدعم النفسي في الرعاية الأولية وتمكين غير المختصين من التعرف على علامات الاضطراب النفسي والاستجابة لها".

وتضيف في مقال نشره ميدل إيست آي أن غزة، رغم وقف إطلاق النار المفروض بعد عامين من الإبادة، ما زالت تختنق تحت الركام، وسماءها محطمة وأرضها مغطاة بالحزن. يُقدَّر أن إعادة بناء البنية التحتية من مستشفيات ومنازل ومدارس تحتاج إلى نحو 70 مليار دولار، لكن لا يمكن لأي خبير اقتصاد أن يقيس الخراب غير المرئي: انهيار الروح والمعنى في مجتمع حُرم من الإنسانية والأمل.

تسأل جبر: هل يمكن علاج غزة؟ الإجابة تتجاوز الطب. الطبيب يرى الصدمة، والمهندس يرى الركام، لكن جراح غزة تجمع كل ذلك. المدينة تحولت إلى جرح واحد مفتوح، لا يكفي لعلاجه برنامج نفسي أو خطط إعادة إعمار تقنية، بل يحتاج إلى شفاء مادي وأخلاقي يعيد ترتيب ضمير العالم.

قرابة 90٪ من مساكن غزة دُمّرت، والمستشفيات استُهدفت عمدًا، والطرق والمياه والمساجد والجامعات سُوِّيت بالأرض. لكن الأرقام لا تصف وجوه الأطفال الغائبين عن الفصول ولا الأمهات اللواتي يقدمن الطعام لأطفال قُتلوا. الدمار الحقيقي يسكن في تآكل الكرامة والثقة، في الاعتياد على ما لا يُحتمل.

تؤكد الكاتبة أن الحديث عن "دعم نفسي" دون عدالة يشبه علاج الأعراض مع تجاهل السبب. في غزة، يبدأ العلاج بالحقيقة. حين تُنزَع الأخلاق من العمل الإنساني، يتحول إلى أداة قهر جديدة. بعض المبادرات الإنسانية، كما تذكر، استغلت الجوع كطُعم للمحاصرين، لتكشف انحدار الضمير العالمي إلى مسرح للوحشية.

الصدمة في غزة ليست نتيجة كارثة طبيعية، بل نتاج عنف سياسي مقصود وممنهج. لذا، الوعي بالصدمة لا يعني تبني مقاربات غربية محايدة، بل تسمية الجاني ومواجهة الظلم. لا يمكن للشفاء أن يبدأ بالتواطؤ أو الإنكار.

ترى جبر أن الرعاية النفسية الحقيقية يجب أن تُكرِّم مقاومة الغزيين وصمودهم؛ من الفصول الدراسية تحت الأرض إلى الفن المنبعث من الخراب. هذه ليست "مرونة عاطفية"، بل مقاومة تطالب بالاعتراف السياسي.

تدعو الكاتبة إلى تقديم المساعدات كحق لا كمنّة، وتربط الإغاثة بإحياء الحياة اليومية: فتح المدارس، جمع العائلات، واستعادة الإحساس بالأمان. الطفل الذي يكتب اسمه من جديد يبدأ رحلة الشفاء، والأم التي تطبخ في بيتها الآمن تستعيد إنسانيتها.

لكنها تحذر من إعادة الإعمار دون عدالة، إذ يصبح البناء فوق الجرح نزيفًا جديدًا. تجارب العراق وأفغانستان أظهرت أن من يربح من الدمار لا يبني سلامًا. غزة، تقول جبر، لا يجب أن تتحول إلى مختبر لإعمارٍ نيوليبرالي تُديره القوى التي دمرتها.

تستعيد الكاتبة تجربة محاكمات نورمبرج بعد الحرب العالمية الثانية، حين جمع العالم بين العدالة والشفاء. تسأل: هل ستحظى غزة بمحكمتها؟ هل سيُعاد للضحايا صوتهم؟ دون هذه العدالة، تبقى كل خطط الإعمار ناقصة.

تشير إلى أن العالم الذي أعاد بناء أوروبا عبر خطة مارشال حرم شعوب الجنوب من نفس الكرامة، فارضًا عليهم سياسات تقشفية من صندوق النقد. والآن يواجه الفلسطينيون الخطر ذاته: إعادة إعمار دون تحرر.

كل قنبلة سقطت على غزة أصابت الضمير العالمي. علاج غزة، في جوهره، علاج لإنسانيتنا. الأطباء وحدهم لا يملكون الشفاء، بل يحتاج العالم كله إلى نهضة أخلاقية ترفض الحياد الزائف، وتُسمّي الإبادة والاحتلال بما هما عليه.

غزة يمكن أن تُشفى، لكن ليس على أيدي من جرحوها. شفاءها يبدأ باستعادة الحقيقة، ويتحقق حين يستعيد العالم بصره الأخلاقي المفقود.

https://www.middleeasteye.net/opinion/heal-gaza-we-must-mend-our-global-conscience